وفي "الغريبين" أيضًا: الغِرْنَوق والغِرْناق والغِرْنيق: الشاب الناعم والطير (١).
وكان المشركون يزعمون أن الأصنام تقرِّبهم إلى اللَّه تعالى وتشفَع لهم إليه، فشبَّهوها بالطيور التي تعلو وترتفع في (٢) السماء.
وقال الحسن: إنْ ثبَت تكلُّمُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذه الكلمات فهو على الإنكار عليهم (٣)، على تقدير إثباتِ ألف الاستفهام في أولها: أتلك الغرانيق العلى، كما في قوله خبرًا عن إبراهيم: {هَذَا رَبِّي} الأنعام: ٧٦؛ أي: أهذا ربي.
والصحيح المعتمد: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يتكلم بها، فإنَّا لو توهَّمنا أنه تكلَّم بها فلا يخلو من ثلاثة أوجه:
إمَّا أنْ تكلَّم بها من جهةِ نفسه عمدًا اختيارًا، وهو كفرٌ، فلا يجوز أن يُظنَّ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، فإنه جاء داعيًا إلى الإسلام ناهيًا عن الكفر طاعنًا في الأصنام، فكيف يمدحها؟!
وإمَّا أنْ أجرى (٤) الشيطان ذلك على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جبرًا بحيث لم يَقدر على الامتناع عنه، وهذا أيضًا لا يجوز؛ لأن الشيطان لا يقدر على ذلك في حقِّ غيره؛ قال تعالى خبرًا عنه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} إبراهيم: ٢٢، فكيف يقدر على ذلك في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟!
وإما أن يقال: وقع ذلك على لسانه سهوًا وغفلة من غيرِ قصدٍ، ولا يجوز ذلك أيضًا؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أعقلَ الخلق وأعلمَهم فكيف يجوز عليه هذه الغَفلة؟! خصوصًا
(١) انظر: "الغريبين" (مادة: غرن)، وفيه: (الغِرنَاقُ والغِرنَوقُ والغُرَانِقُ).
(٢) في (ر) و (ف): "إلى".
(٣) ذكره الجصاص في "أحكام القرآن" (٣/ ٣٢٢).
(٤) في (ر): "وإما بإلقاء".