وقوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}: أمرٌ لهم (١) جميعًا، وقد سبق ذكرُهم جميعًا: ذكرُ المؤمنين في أول السورة، وذكرُ الكفار بعدهم، وذكرُ المنافقين بعدهم.
وقوله: {اعْبُدُوا} معناه: أيها المؤمنون أطيعوا، وأيها الكافرون آمِنوا، وأيها المنافقون أَخلصوا، وهو وجهُ انتظام هذه الآية بتلك الآيات.
وقد مرَّ في تفسير العبادة أقاويلُ، ونذكر هاهنا قولًا واحدًا؛ وهو أن العبادة: استفراغُ الطاقة في استكمال الطاعة، واستشعارُ الخشية في استبعاد المعصية.
وقوله تعالى: {رَبَّكُمُ}؛ أي: إلهكم ومالكَكم ومربِّيَكم.
وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} الخلقُ في اللغة: التقدير، قال الشاعر:
ولأنت تَفْرِي ما خلَقْتَ وبعْـ... ضُ القوم يَخلُقُ ثم لا يَفري (٢)
ومنه قوله: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ} المائدة: ١١٠، فالخَلْق: الإيجاد.
والخَلْق: الافتراء في قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} الشعراء: ١٣٧، والاختلاقُ كذلك في قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} ص: ٧.
والخَلْق: المخلوق في قوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} لقمان: ١١.
والخَلْق: المخلوقون في قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يس: ٧٩.
والخَلْق: البعث بعد الموت في قوله تعالى: {قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} الإسراء: ٩٩.
(١) في (ر): "أمرهم".
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو في "ديوانه" (ص: ١١٩)، و"الكتاب" (٤/ ١٨٥)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ٥٧). وجاء في هامش (ف): "الفري: القطع على وجه الإصلاح، والإفراء: القطع على وجه الفساد".