ثم السبب وإن كان خاصًّا فاللفظ عامٌّ، وهو جمعٌ، فكان خطابًا لكلِّ مَن كان ذا فضل وسعة في حق كلِّ ذي قربى ومسكينٍ ومهاجر.
وقال الضحاك: ولما نزل عذرها من السماء قال أبو بكر رضي اللَّه عنه وآخرون من المسلمين: واللَّه لا نَصِلُ رجلًا تكلَّم بشيء من أمر عائشة، ولا نتصدَّق عليه، ولا يكون بيننا وبينه خيرٌ أبدًا، فنزلت الآية (١).
وقال القشيري: تحرَّك في الصدِّيق رضي اللَّه عنه عرقٌ من البشرية حتى همَّ بقطع الرِّفق من مسطحٍ، فأبى اللَّه تعالى له ذلك وأنزل هذه الآية، فلم يرض من الصدِّيق أن يتحرك فيه عرقٌ من الأحكام النفسية والمطالبات البشرية، فعاد لِمَا كان يفعله من الإحسان إليه، والإحسانُ إلى المحسن مكافأةٌ، وإلى مَن لا يسيء ولا يحسِنُ فضل، وإلى الجاني (٢) فتوةٌ وكرم.
وقال في قوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}: العفو: أن يتجاوز عن الجاني، والصفح: أن يتناسى جُرمه.
وقيل: العفو بالفعل، والصفح بالقلب فلا يبقى فيه كراهة، وأنشدوا:
ربَّ رامٍ لي بأحجارِ الأذى... لم أجد بدًّا من العطف عليه
فعسى يطَّلعُ اللَّه على... فرح (٣) القوم فيدنيني إليه (٤)
* * *
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٧/ ٢٢٥).
(٢) في (ف): "الخاطئ".
(٣) في (ف): "فرج"، وفي مطبوع "اللطائف": (قدح).
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٦٠١ - ٦٠٢). والبيت الأول نسب مع بيتين آخرين للبهلول بن عمرو المجنون كما رواه البيهقي في "الشعب" (٨٠٩٥).