وقيل: هم جمعٌ أريد بهم الواحد، وهو مسطحُ بن أُثَاثةَ الذي ذكرناه في القصة، وقع في الإفك بشؤم صحبةِ ابن أُبيٍّ، وكان جلس تلك الساعة عنده، وحلف أبو بكر الصدِّيقُ رضي اللَّه عنه أن لا ينفق عليه بعد هذا، وكان في نفقته، فنزلت فيهما هذه الآية.
وفيه بيانُ فضل الصدِّيق من وجوه:
أحدها: أنه نهاه مغايبةً وهو تشريفٌ.
وسماه (أولي الفضل) فدل على فضله من وجهين: من جهة الجمع، ومن جهة التنصيص على الفضل.
وحثَّه على إيتاء أولي القُربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللَّه، وكان مسطحٌ قريبَه ابنَ بنت خالته، وكان مسكينًا، وكان مهاجرًا، وفيه بيان فضل مسطحٍ أيضًا.
قوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا}: أي: وليتجاوزوا عن الجفاء {وَلْيَصْفَحُوا}؛ أي: وليُعْرِضوا عن العقوبة، وهما أمران مغايبة أيضًا (١).
قوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}: وهذا غايةُ تلطُّفٍ في الخطاب؛ أي: فإذ أحببتُم مغفرة اللَّه لكم فاغفروا لغيركم.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: أي: فتأدَّبوا بإذن اللَّه واغفروا وارحموا.
ولما نزل: {أَلَا تُحِبُّونَ} قال أبو بكر: بلى رب، ثم عاد لمسطح إلى ما كان وكفَّر يمينه (٢).
(١) "مغايبة أيضًا" ليس في (ف).
(٢) قطعة من حديث الإفك الطويل عن عائشة رضي اللَّه عنها، وقد تقدم تخريجه قريبًا.