(٣٧) - {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
وقوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ}: وصَف بالرجولية ثلاثَ فرق: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} التوبة: ١٠٨، و: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب: ٢٣، و: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ}؛ أي: لا تَشغلُهم تجارة؛ أي: بالأسفار في الأمصار (١) {وَلَا بَيْعٌ}؛ أي: في الأسواق في الحوانيت، وحملناهما على هذين لتكون لزيادة إفادةٍ لا لمجرَّد إعادة.
{عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: أي: خارج الصلاة {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}؛ أي: وعن إقامة الصلاة في وقت الصلاة، حذف الهاء للإضافة، إذا كانت الهاء عوضًا عن الواو إذ كان أصله: (إقوام) صارت الهاء عوضًا عن الواو، قال الشاعر:
إنَّ الخليط أَجَدُّوا البَينَ فانجردوا... وأخلَفوكَ عِدَ الأمرِ الذي وَعَدوا (٢)
أي: عِدَةَ الأمر، وكانت الهاء عوضًا عن الواو في أوله: وَعَد، فصارت الإضافة عوضًا عن الهاء.
وقوله تعالى: {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}: أي: وعن إيتاء الزكاة، بيَّن أنهم ليسوا بزَمْنَى لا أبدانَ لهم، ولا فقراءَ لا أموالَ لهم؛ ليكون لهجُهم بالذكر لعجزهم وفقرهم، بل قال: لهم أبدان يقيمون الصلاة بها، وأموال يؤدون الزكاة عنها، ثم لا يشغلُهم ذلك عن خدمة اللَّه تعالى وذكره.
وقيل: معناه: لا يشتغلون بتجارةٍ وبيعٍ فيَشغلُهم ذلك عن إقام الصلاة وإيتاء
(١) في (ر) و (ف): "في الأمصار بالأسفار".
(٢) البيت في "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٢٥٤).