وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}: أي: مِن أذَى مَن أمرتَه ونهيتَه، روى أبو هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "يا أبا هريرة، مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك، فإن ذلك من وثائق الأمور"، قال: يا رسول اللَّه آمُرُ بالمعروف وأَنْهَى عن المنكر وأُوذَى؟ قال: "نعم كما أُوذيَتِ الأنبياء، ليس أحدٌ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا سيُؤذى في الدنيا" (١).
وقيل: هو مبتدأ؛ أي: واصبر على ما أصابك من شدائد الدنيا من اللَّه تعالى مثلَ الأمراض والفقر، وهو أن لا يجزع، ويعلمَ (٢) أن اللَّه تعالى إنما (٣) يفعلُ به ذلك تأديبًا أو تمحيصًا، أو ليُثيبه عليه في الآخرة.
وقوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}: أي: هذه الأشياءُ مما عزم اللَّه تعالى به على عباده؛ أي: أمرهم به أمرًا حتمًا، فعليهم الثباتُ عليه واعتقادُ وجوبه.
وقيل: {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}؛ أي: من الأمور التي تدل على أن صاحبه ثابتٌ في دينه، قويُّ النية (٤) في طاعة ربه، عالمٌ بصحة ما يَدين به، مستبصِرٌ في أمره، وفلانٌ من أولي العزم هو هذا.
* * *
(١٨) - {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
وقوله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}: أي: لا تُمِلْه مُعْرِضًا عن الناس تكبُّرًا أو استخفافًا لمن يُقبل عليك يكلِّمك، بل أَقبِلْ عليه بوجهك متواضعًا.
(١) لم أقف عليه، وأحاديث الأمر بالمعروف كثيرة في الصحيحين وغيرهما.
(٢) في (أ) و (ف): "أن لا تجزع وتعلم".
(٣) في النسخ: "إن"، والصواب المثبت.
(٤) "النية" من (أ)، وفي (ف): "دينه".