والثاني: ما قال الكسائي: تقديره: وسخرنا الطير.
والثالث: ما قال الفراء: وآتيناه الطير (١)، وحقيقتُه: أن المنادى منصوبٌ لأنه مفعولٌ بالنداء، والمفردُ المعرفةُ مضمومٌ بناءً لا إعرابًا ولذلك لا ينوَّن، فأما المنادى المضافُ والمفردُ النكرةُ فمنصوبان لِمَا قلنا.
وقوله تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}: أي: جعلناه ليِّنًا في يده.
قال قتادة: كان الحديد في يده مثلَ الشمع يصرِّفه كيف يشاء من غير نارٍ ولا مطرقةٍ، وكان يتَّخذ منه الدروعَ، وهو أولُ مَن عمِلها وكانت قبله صفائحَ (٢).
* * *
(١١) - {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وقوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}: أي: أمرناه أن اعمل سابغات؛ أي: دروعًا تامةً تعمُّ الإنسان ما دون رأسه بالتغطية حتى تقرب من الأرض.
{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}: أي: في النَّظم والوصل والنَّسج؛ أي: اجعل المسامير على قَدْر الحَلَق لا تغلِّظها فتَخرق ولا تدقِّقها فتَقْلقَ (٣).
= للسيرافي (٢/ ٤٢)، و"أساس البلاغة" (مادة: عمل).
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٣٥٥). ونص كلامه: (الطَّيْرَ) منصوبة على جهتين: إحداهما: أن تنصبها بالفعل بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} وسخَّرنا له الطير، فيكون مثل قولك: أطعمته طعامًا وماءً، تريدُ: وسقيته ماءً. والوجهُ الآخر بالنداء؛ لأنك إِذَا قلت: يا عَمْرو والصَلْت أقبِلا، نصبتَ الصلت لأنه إنما يدعى بـ: يا أيّها، فإذا فقدتَها كان كالمعدولِ عن جهته فنُصب.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (١٨٨٠)، والطبري في "تفسيره" (١٩/ ٢٢٣).
(٣) في (ف): "فتخرق ولا تدقها فتغلق"، وفي (ر): "فتحرق ولا تدققها فتغلق". والمثبت من (أ)، ومعناه: اجعلها على مقدار معين دقة وغيرها مناسبة للثقب الذي هيئ لها في الحلقة، فإنها إن =