{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}: أي: بل كان سببُ كفرنا مكرَكم بنا في الليل والنهار على الدوام، كنتُم تخادعوننا عن الهدى، وتمكرون بنا أبدًا، وأضاف المكر إلى الليل والنهار لوقوعه منهم فيهما، وهو كقول الشاعر:
لقد لُمْتِنا يا أمَّ غيلانَ في السُّرَى... ونمتِ وما ليلُ المطيِّ بنائمِ (١)
وقيل: كان الليل والنهار يمكران بطولِ السلامة فيهما.
والأصح الأول، ويدل عليه ما بعده: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا}: أي: أشباهًا من الأصنام، فنعبدَها دونه.
{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}: أي: أضمروها في قلوبهم واستشعروها في قلوبهم.
وقيل: أخفوها؛ أي: السادة عن الأتباع.
وقيل: أي: أظهروها بقولهم: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} الأنعام: ٢٧، ونحوِ ذلك، والكلمة من الأضداد؛ قاله القتبيُّ (٢) وقطرب، وأنشد للفرزدق:
فلما رأى الحجَّاجَ جرَّد سيفَه... أسَرَّ الحروريُّ الذي كان أَضمَرا (٣)
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}: أي: لمَّا رأوا العذاب ولمَّا جعلنا؛ أي: ندموا حين رأوا الأغلال جُعلت في أيدي الكفار إلى أعناقهم، ويحتمل
(١) البيت لجرير. انظر: "ديوانه" (٢/ ٩٩٣). قال أبو عبيدة في "شرح النقائض" (٣/ ٨٧٦): أم غيلان يعني ابنته، يقول لابنته: لا تلومينا في السرى في ليلتنا ونهارنا، ما المطي بنائم ليله كلّه في طلب العلا.
(٢) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: ٣٥٧).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١٦/ ٤٠)، و"الأضداد" لابن الأنباري (ص: ٤٦)، و"تهذيب اللغة" (١٢/ ٢٠١)، وفيه: قال شمر: لم أجد هذا البيت للفرزدق.