من خالق، و: هل خالقٌ غيرُ اللَّه، فإن {مِنْ} زائدة مؤكِّدة، فإذا حُذفت رفع {خَالِقٍ}، وهو استفهام بمعنى النفي.
{يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}: بالمطر والنبات وغير ذلك.
وإذا لم يكن خالقٌ ولا رازقٌ غيرُه فلا إلهَ غيرُه، ولذلك قال بعده: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.
وقوله تعالى: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}: أي: كيف تُصْرفون ومن أين تُصرَفون عن هذا الحق إلى غيره، والأفكُ بالفتح: الصرفُ، والإفك بالكسر: الكذب، وهو الكلام المصروف عن الصواب، وخرج الكلام على ما لم يسمَّ فاعله على مذهب العرب في قولهم للرجل: أين يُذهبُ بك؟ أي: أين تذهب؟ فكذا هذا معناه: فكيف ومن أين تنصرفون من الحق إلى الباطل؟ وهو استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: مَن ذكر النعمةَ فهو صاحب عبادة ونائل زيادة، ومَن ذكر المنعِم فهو صاحب إرادةٍ ونائلُ زيادة، وفرقٌ بين زيادةٍ وزيادة، هذا زيادته عطاؤه وهذا زيادته لقاؤه.
وقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} مَن عرف أنه لا رازق غيرُ اللَّه لم يُعلِّق قلبه بأحدٍ في طلبِ شيء، ولا يتذلَّل للارتفاق لمخلوق، وكما لا يرى رزقَه من مخلوق لا يراه من نفسه أيضًا، فيتخلَّص من ظلمات تدبيره واحتياله وتَوهُّمِ شيء من أشكاله وأمثاله (١).
* * *
(٤) - {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.
وقوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يا محمد فلا يَضِيقنَّ صدرُك فلستَ بأولِ مَن كذِّب
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (٣/ ١٩١ - ١٩٢).