وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}: أي: إن إنذارك إنما يقبلُه وينتفع به مَن يخشى اللَّه في حالة الغيب، فأما مَن لم يخشَه فلا ينتفِع بإنذارك، فكأنه لم يسمع إنذارك وكأنك لم تنذره وهو كقوله {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} وكقوله {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، وقال {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}.
وقوله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: ذكره بلفظ الماضي وذكر {يَخْشَوْنَ} بصيغة المستقبل لأن الخشية صفةٌ لازمةٌ دائمةٌ والصلاةَ مؤقتةٌ لها أوقاتٌ مخصوصة تنقضي بانقضائها وتنتهي بانتهائها.
{وَمَنْ تَزَكَّى}: أي: تطهَّر من الآثام {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} فنَفْعُ ذلك له.
{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}: أي: مرجع الكلِّ من الخاشعين المصلِّين المتزكِّين وغيرهم.
وقال بعض أهل المعرفة في قوله: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} وقال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} النجم: ٤٨: ذكر الفقر في آية والغنى في آية، والمؤمن فقير خِلقةً وغني خِلعةً (١).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: مَن افتقر إلى شيء استغنَى بوجوده، فالمفتقِرُ إلى اللَّه مستغنٍ باللَّه، والمستغني باللَّه مفتقرٌ إلى اللَّه.
ومن آداب الفقير الصادق: إظهارُ التشكُّر عند كمال التكسُّر (٢).
وقال: إن الحق لم يسمِّ عباده فقراءَ إزراءً (٣) بهم فإن كرمه يتقدَّس عن ذلك، ولا
(١) في (ف): "فالمؤمن فقير خلقة وغني خلقة"، وفي (ر): "فالمؤمن فقير بخلقه وغني خلقة".
(٢) في (أ): "إظهار التكسر عند كمال التكسر"، وفي (ر) و (ف): "إظهار التكسر عند كمال التكثر". والمثبت من "اللطائف".
(٣) في (ر): "ازدراء".