(٣٧) - {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}.
وقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}: أي: ومن علامات قدرتنا وعِلمنا ورحمتنا ما ترونه من مجيء الليل والنهار خلفةً، نسلخ من الليل النهار؛ أي: نزيل منه الضوء الذي يكون بالنهار.
{فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}: أي: داخلون في الظلمة بمجيء الليل.
ودلَّ هذا أن الليل كان قبل النهار، وأن الظلمة كالأصل والنورَ دخيلٌ عليه، فإذا سُلخ منه -أي: نُزع النور من الظلمة- خلصت الظلمةُ فكان الليلُ، وإذا أُلبست الظلمةُ النورَ كان النهار، قال تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} الأعراف: ٥٤؛ أي: يُلبسه، فإذا وُصف بالإلباس جاز أن يوصف بالسلخ الذي هو ضدُّه، فيقول (١): فهذا شيء ترونه متَّسِقًا لا يتغير، فدل ذلك على علمِ فاعله وحكمتِه.
* * *
(٣٨) - {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: أي: إلى مستقرٍّ لها، كما يقال: جرى فلان لغايةِ كذا، وإلى غاية كذا، وله ثلاثة أوجه:
أحدها: استقرارها: قطعُ حركاتها بانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا.
والثاني: قول قتادة: {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: لوقتٍ واحدٍ لها لا تَعْدُوه (٢).
والثالث: تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ثم ترجع، فمستقرُّها بلوغُها الموضعَ الذي لا تتجاوزه؛ كالإنسان يقطع مسافةً لا يسكن فيها حتى يبلغَ أقصى مقصوده، فيستقر هناك -على معنى أنه لا يجاوزه- ثم يرجع.
(١) "فيقول" ليست في (أ).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٩/ ٤٣٥).