يرزقكم، فما معنى التماسِكم الرزقَ منا؟ وهذا جهل منهم؛ لأن اللَّه تعالى إذا رزق عبدًا شيئًا وملَّكه إياه لم ينقطع عنه ملكُه، وأوجب فيه حقوقًا أمره بأدائها، فليس للعبد أن يمتنع عنها؛ كالمالك منا إذا أعطى عبده مالًا ثم أمره أن ينفق منه في كذا، فليس له أن يقول: أنت أعطيتَني هذا فأعطِ فلانًا أيضًا من عندك ولا تأمرني به فيما هو مالي، ومن الجهل أيضًا أن يقول العبد: لا أعطي مَن لم يعطه اللَّه.
روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لو شاء اللَّه لجعلكم أغنياءَ لا فقيرَ فيكم، ولو شاء اللَّه لجعلكم فقراءَ لا غني فيكم، ولكن ابتلى بعضَكم ببعضٍ لينظر كيف عطفُ الغني وكيف صبرُ الفقير" (١).
* * *
(٤٨ - ٤٩) - {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}: يتصل بقوله: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}؛ أي: الساعةَ، قالوا: متى الساعةُ التي تَعِدوننا بها، فقد أتت على آبائنا الدهور الكثيرة فلم تأت؟ فأُجيبوا عن ذلك:
قوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ}: أي: ما ينتظرون {إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ}؛ أي: ترسَل عليهم فتهلكُهم وهي النفخة الأولى.
{وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}: الواو للحال؛ أي: في حال اختصامهم.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (٢): {يَخِصِّمُونَ} بفتح الخاء وتشديد الصاد (٣)، إلا
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٤٧١) -ت محمد عوامة- عن الحسن عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا.
(٢) في (ف): "قرأ ابن كثير ونافع في راويةِ ورش وسهل ويعقوب غير ورش والشموني عن أبي بكر".
(٣) وهي قراءة ورش عن نافع وهشام عن ابن عامر.