وقوله تعالى: {أَضَلَّ مِنْكُمْ}؛ أي: أغوى، وقيل: أهلك.
{أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}: أنه فعَل بهم ذلك فتحذَروا مثلَه.
* * *
(٦٣ - ٦٥) - {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} بها على شرككم {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ}؛ أي: ادخلوها {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}؛ أي: بسبب كفركم.
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ}: إذا قيل لهم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان} يس: ٦٠ جحدوا وقالوا: ما عبدناه، فيَختم اللَّه على أفواههم؛ أي: يفعل بأفواههم ما لا يمكِنهم معه أن يتكلَّموا بألسنتهم، وابن عباس فسَّره بالإخراس، وبعضهم حمله على قول النبيِّ: "إنكم تُدْعون يوم القيامة مفدَّمةً أفواهكم بالفِدام حتى إنَّ أول ما يُبين عن أحدكم لفخذُه ويدُه" (١).
{وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} تخبرُ بما امتدَّت إليه في المعاصي {وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} بما خطَوا به إلى الباطل، وهو قوله: {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وقال في آية أخرى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} فصلت: ٢٠، وقال: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} النور: ٢٤، فذكر شهادة الألسُن في هذه الآية مع ذكر الختم على الأفواه في تلك الآية، وذكروا له وجوهًا وأوضحها قول الإمام أبي منصور رحمه اللَّه: أنهم إذا جحدوا أنطق اللَّه الجوارح
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٠٠٤٣)، والطحاوي في "شرح المشكل" (٤١٦٠)، والطبراني في "الكبير" (١٩/ ٩٧٣)، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.