وانتظامُ السُّورتين: أنَّهما في مُحاجَّةِ المشركين، وفي إثباتِ الرِّسالةِ والبعثِ يومَ الدِّينِ، والتَّنبيهِ بقصصِ الأوَّلين.
* * *
(١) - {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}.
وقولُه تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}: هوَ قسَم بالملائكةِ على أنَّ اللَّهَ إلهٌ واحدٌ.
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحِمَه اللَّهُ: وجهُ القسَمِ بهم: أنَّ اللَّهَ تعالى قد عظَّمَ شأنَ الملائكةِ في قلوبِ أولئكَ الكفرةِ حتَّى قالوا: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ} الأنعام: ٨، وقال فرعونُ لعَنَه اللَّهُ: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} الزخرف: ٥٣، وقولُهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} الفرقان: ٢١، وما وصفَهُم اللَّهُ سبحانه أنَّهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم: ٦، وأنَّهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} الأنبياء: ٢٦ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} الأنبياء: ٢٠، كذلكَ أقسَمَ بهم تقريرًا لذلكَ في قلوبِهم (١).
وقالَ ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهم: الصَّافَّاتُ والزَّاجراتُ والتَّالياتُ كلُّهمُ الملائكةُ (٢)، وكذا قال مجاهدٌ والسُّدِّيُّ وجماعةٌ (٣).
{وَالصَّافَّاتِ} خُفِضَ بواوِ القسَم، وسُمِّيَتْ بها لأنَّهم صافُّون في السَّماواتِ في الصَّلواتِ.
وقيل: لأنَّها تصُفُّ أجنِحَتَها في الهواءِ إذا نزلَتْ للوحيِ وغيرِه.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٨/ ٥٤٤).
(٢) رواه عن ابن مسعود عبدُ الرزاق في "تفسيره" (٢٥٠٣)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٢٠٤). ورواه عن ابن عباس أبو الشيخ في "العظمة" (٥١١).
(٣) رواه عنهما الطبري في "تفسيره" (١٩/ ٤٩٢ - ٤٩٤)، وهو مروي عن جماهير السلف.