وقولُه تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ}: أي: وأبقَيْنا عليه ثناءً جميلًا ومدحًا له وانتماءً إليه في الذينَ أتوا بعدَه.
وقيل: {فِي الْآخِرِينَ}: أي: في أمَّةِ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقيل: في الأنبياءِ، فإنَّه لمْ يُبْعَثْ بعدَه نبيّ إلَّا أُمِرَ بالاقتداءِ به، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الشورى: ١٣، والمتروكُ مضمَرٌ، وهو ما بيَّنا.
* * *
(٧٩) - {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}.
وقيل: المتروكُ هو المذكورُ بعدَه، قولُه:
{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}: أي: أبقَيْنا عليه هذا السَّلامَ، ورُفِعَ على الحكايةِ، فإنَّهم يتكلَّمون به على هذا النَّظْمِ، وهو كقولكَ: (قرأتُ الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين) بالرَّفعِ على الحكايةِ، فإنَّهم يتكلَّمون على هذا (١)، ونظيرُه قولُ حسَّان:
لتسمعُنَّ وشيكًا في دياركمُ... أللَّهُ أكبرُ يا ثاراتِ عُثْمانا (٢)
وعلى القولِ الأوَّلِ "سلامٌ" ابتداءٌ، ثمَّ له وجهان: إخبارٌ أنَّ السَّلام عليه، وتعليمٌ أنْ يتكلَّمَ به؛ كما مرَّ في قولِه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.
* * *
(٨٠ - ٨٢) - {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}.
(١) "فإنهم يتكلمون على هذا" ليس في (أ) و (ف).
(٢) انظر: "ديوان حسان بن ثابت" (ص: ٢٤٤)، و"الجمل في النحو" للخليل (ص: ٢٦١)، و"التقفية في اللغة" للبندنيجي (ص: ٣٩٣)، و"تهذيب اللغة" (١٥/ ٨٢)، وورواية الديوان: (ديارهم).