وقيل: هذه الآية تتَّصِلُ بقوله: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، ولا يضرُّك ذلك؛ لأنهم جُنْدٌ أهزِمُهم وأفرِّقُ جَمْعَهم وتحزُّبَهم وأجعلُهم أَسْراكَ.
وقيل: أي: هم مهزومون مِن الأحزاب، فكيف يرتقون في الأسباب؟!
وقولُه تعالى: {مِنَ الْأَحْزَابِ}: قيل: أي: مِن قبائل شتًّى تجَمَّعوا على مُعاداتك.
وقيل: أي: هم مِن جُمْلة الأحزاب المتقدِّمين، وهم المذكورون في الآية التي بعدها: {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ}، وهذا قول مجاهد (١).
ووجهٌ آخرُ للآيتين المتقدِّمتين: أنَّ الكفار أنكروا نبوة محمد، وقالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الزخرف: ٣١، له أملاكٌ وأموالٌ، فقال اللَّه لهم: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} التي لا تنقطِعُ؟ أم لهم مُلْكُ السماوات والأرض وما بينهما فيتعظَّموا بذلك، فيرون لهم الفَضْل على محمد؟
فإذا لم يكن لهم ذلك، وإنما يملِكون أموالًا تروح وتغدو وتزول عن قليل، فليس لهم موضعُ تعظيمٍ تُستَحَقُّ به النبوَّةُ، ولو كان ذلك بالمُلْك لم يكن بمُلْك (٢) الأموال، بل بمُلْك السماوات والأرض، فليس لهم ذلك، فليَصْعدوا إلى السماء فينظُروا: هل يُمكنُهم إزالةُ النبوة عمَّنْ أوتِيَها بلا مُلْك؟!
وهذا كلامٌ يُذْكَر للتَّبعيد؛ كما قال: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} الأنعام: ٣٥.
وقيل: {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ}: معناه: فإنْ كان لهم مُلْك السماوات والأرض فليَصْعدوا إليها فيدبِّروها؛ لأنَّ مَن ملَكَ ولايةً أشرَفَ عليها وتعهَّدَها، وإذ ليس يمكنُهم ذلك دلَّ أنهم لا يملِكونها.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٢٩) بلفظ: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ}: قريش {مِنَ الْأَحْزَابِ}: القرون الماضية. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٧/ ١٤٧) إلى الفريابي وعبد بن حميد.
(٢) في (أ): "لملك"، ووقع في (ر) هنا وفي الموضع الآتي: "يملك".