والخامس: أنْ يكون ذلك لِيُعلمَ أنَّ الصغيرة ليست بمغفورةٍ، وللَّه أنْ يُعذِّبَ عليها؛ ردًّا على المعتزلة (١).
وقال غيره: جاء في التفسير في قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا} أنه خرَّ ساجدًا أربعين يومًا وليلةً حتى نبَتَ العُشْبُ مِن دموعه، فأوحى اللَّه تعالى إليه: أنَّا قد غفَرْنا لكَ (٢).
ورُوِي: أنه ما شرِبَ مدَّةً كثيرةً ماءً في إناء إلا وثُلُثاه دمعٌ، والثُّلثُ ماء.
وقيل: أغلَقَ داودُ يومَ خوفِ الابتلاء على نفْسِه أبوابَ الدار، لكنْ لم يُمْكِنْه أنْ يُغْلِقَ على نفْسه أبواب (٣) الأقدار.
* * *
(٢٦) - {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.
وقولُه تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}: أي: صيَّرْناكَ في الأرض حاكمًا بين العِباد، وخلَفًا عمَّن كان قبلك فيها مِن الأنبياء.
{فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}: أي: فامنَعِ المتنازِعين بعضَهم مِن بعض بما أمَرَ اللَّه تعالى به مِن ذلك، فإنه الحقُّ؛ أي: الذي يحِقُّ أنْ تَعْمَلَ به.
{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}: أي: هواكَ المخالِفَ لأمر اللَّه.
{فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: نصبٌ بالفاء؛ لأنَّه جواب النَّهْي؛ أي: يعدِلَ بك الهوى واتِّباعُه عن الطريق المُفضي بسالكه إلى رِضوان اللَّه.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٦١٨).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٦٤) عن ابن عباس، وقد تقدمت قطعة منه، ورواه (٢٠/ ٦٩) عن الحسن.
(٣) في (أ): "باب".