يقال لها: جرادة، وكان سليمان إذا أجنبَ أو دخل الخَلاء نزَعَ خاتمه فدفعه إليها، لا يأمَنُ عليه سواها، فدخل الخَلاء يومًا ودفَعَ الخاتم إليها، فجاء شيطان اسمه: آشمَدِّي (١) على صورة سليمان، وأخذَ منها الخاتم فظنَّته سليمان، وقعد الشيطان على كرسيه، وخرج سليمان مِن الخلاء فطالبَها به، فقالت: ألمْ أُعْطِكَهُ الآن؟! فخرج سليمان وغاب، وقعد الشيطان على كرسيه يقضي بين الناس (٢).
وذكروا أشياء لا تقبلُها العقول السليمة، وتردُّها العقائد المستقيمة، ولا يجوز على نبي اللَّه سليمان ولا على سائر الأنبياء الرضا بعبادة الأصنام (٣)، ولا التَّرْكُ بعد العلم، فإنْ فعلَتْ ذلك امرأته بغير علمه، فما معنى عِتاب سليمان به وهو لا يَعْلَم به؟!
وكيف يجوز تسليط الشيطان أن (٤) يحكُمَ بين الناس بالباطل، ويأتيَ النساء، ويُصَوِّرَ أنه نبي، وأنَّ أحكامَه أحكامُ اللَّه تعالى، وهذا تلبيس على المسلمين طريقَ الدين؟!
فكيف تصوَّرَ بصورة سليمان وعلى الناس الإيمانُ بسليمان، والشيطانُ تَصَوَّر بصورة سليمان وهم يعتقدونه نبيَّ اللَّه، ولا يصلون إلى حقيقة ذلك ألبتَّة؟! هذا مُحالٌ مِن القول.
وكيف يسلُبُ اللَّه سليمان مُلْكه في حياته وقد بقَّاه عليه سنة كاملة بعد وفاته؟!
وكيف ينزعه منه وهو يقول: {هَذَا عَطَاؤُنَا}، واستجاب اللَّه له في قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}.
(١) في (ر): "اشبري".
(٢) رواه الطبري مطولًا في "تفسيره" (٢٠/ ٩١)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٢٠٤)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٩١). وليس بأقل خرافة من سابقه.
(٣) في (أ): "الصنم".
(٤) "أن" من (أ).