وقولُه تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ}: أي: اختبرناه كما اختبرنا آباءه، كما قال: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ص: ٢٤.
{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}: هو بيان تلك الفتنة.
{ثُمَّ أَنَابَ}: هو إلى اللَّه؛ أي: رجع إليه كما رجع أبوه وأناب واستغفر اللَّه تعالى، فغفَرَ اللَّه له، فسأله المُلْك الذي لا ينبغي لأحد مِن بعده فأعطاه، كما جعل أباه خليفةً في الناس، ووعدَه الزُّلْفى وحُسْنَ مآب.
وزلَّ في تفسير هذه الآية بشرٌ كثيرٌ، ورووا فيه رواياتٍ مختلفةً:
قال قتادة: إنَّ سليمان غزا ملِكًا من الملوك، فقهره وسبى ابنةً له، وشُغفَ بها، واختصَّها مِن بين نسائه، وكان اسمها: جرادة، فقالت لسليمان: إنْ رأيت أنْ تأذنَ لي حتى أتَّخذ صورةً على صورة أبي، فلستُ أتمالَكُ شوقًا إليه، فأذن لها، فاتَّخذت صنمًا، فعبَدَته في دار سليمان أربعين يومًا، وقيل: خمسين يومًا، فابتلى اللَّه سليمان بسبب ذلك بنَقْل مُلْكه عنه، وإلقاء جسد على كرسيِّ مُلْكه (١).
وقال مقاتل: هو شيطان اسمه: صخرُ بنُ عمير بن عمرو (٢) بن شرحبيل، قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أعطني خاتمكَ حتى أُخبرَك، فأعطاه خاتمه، فرماه في البحر، فانتقل مُلْك سليمان عنه لزوال خاتمه (٣).
وقيل: تختَّمَ صخرٌ به، فصار المُلْك له.
وقال السُّدِّي: كانت لسليمان ثلاثُ مئة نِسْوة مَهْريَّة، وكان آثرُ نسائه عنده امرأةٌ
(١) ذكره الثعلبي بنحوه مطولًا في "تفسيره" (٨/ ٢٠١)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٩١)، عن وهب بن منبه، ولا شك أنه من خرافات بني إسرائيل التي أكثر منها وهب.
(٢) في (أ): "عميرة" بدل: "عمير بن عمرو".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٨٨) عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وخبر ابن عباس ضعيف جدًّا، وهذا كله من الإسرائيليات.