والآخر: أنه كان مُجَرَّدَ مسٍّ للسُّوق والأعناق؛ قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: جعل يمسَحُ أعْرافَ الخيلِ وعراقيبها حُبًّا لها (١).
وقال الزُّهْري: مسَحَ الغُبار عنها، وليس يأنَفُ الرجل -وإنْ جلَّ مقداره- عن تعهُّدِ الخيل بنفْسه (٢).
وقيل أيضًا: كان يمسَحُ هذه المواضع ينظُرُ: هل حدَثَ بها عيبٌ فيُسْتَصْلَحَ؟
وقيل على هذا الوجه: عُرِضَ عليه بعضها، ثم تذكَّرَ الصلاة فصلاها، ثم أمرَ بعَرْض ما بقِيَ عليه، فجعل يمسح سُوقها وأعناقها، وذلك قوله: {رُدُّوهَا عَلَيَّ}، أو رُدَّ كلُّ ما (٣) عُرِض عليه مرَّةً، فرآها ثانيًا ومسَحها؛ إظهارًا لحُبِّها وحثًّا على ارتباطها.
وقيل على هذا: ليس في الآية ذِكْرُ فوت الصلاة.
ولها تأويل آخر: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ}: الخيلُ، فنظَرَ إليها إلى غروب الشمس حُبًّا للخيل، ورغبةً في إمساكها للجهاد في سبيل اللَّه تعالى، وإظهارًا للناس بقوله: إنه يُحبُّها بأمر اللَّه تعالى، فإن معنى قوله: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ}؛ أي: الخيل؛ أي: أحببتُها حبًّا {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}؛ أي: بما ذكَر لي ربي في الزَّبور أنَّ حُبَّها وارتباطَها مما يرضى به اللَّه تعالى، وقال: أعيدوها عليَّ، فجعل يمسحها مسحًا إظهارًا لمحبَّتها.
* * *
(٣٤) - {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٨٧)، وهو الصواب في القصة، ورجحه الطبري فقال: وهذا القول الذي ذكرنا عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية؛ لأن نبي اللَّه لم يكن إن شاء اللَّه ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويهلك مالًا من ماله بغير سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها في اشتغاله بالنظر إليها.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٢٠١)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ٦٨) عن الزهري وابن كيسان.
(٣) في (أ) و (ر): "أورد كل" بدل من "أي: ردوا ما".