قيل: فعَلَ ذلك تلهُّفًا على فَوْت الصلاة، فأتلفَها قَطْعًا لأسباب الشُّغل عن ذِكْر اللَّه تعالى، وهو كمَن شغَلَه ثوبُه عن الصلاة فخرَقه (١) حَسْمًا لطمَع الشيطان في عوده إلى مثله، وللإنسان إتلافُ ماله في غرَضٍ صالحٍ.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: إنْ ثبَتَ هذا فلوجهين:
أحدهما: أنه كان ذلك في شريعته جائزًا، وإنْ كان لا يجوز في شريعتنا إتلافُ الحيوان وتعذيبُه، وهو كتعذيبِه الهُدْهُدَ حين تفقَّدَه، ولا يجوز تعذيب الطير في شريعتنا، أويكون ذلك منه قبْلَ نهيه عن المُثْلة، ثم نُهِيَ عنها، فحُرِّمَ ذلك عليه وعلينا.
والثاني: أنْ يكون ذلك عبارةً عن الذبح؛ لتُفَرَّقَ لحومُها على الناس، فيكونَ كفارة لِمَا كان منه (٢).
وهذا وجهٌ آخر قال به جماعة: أنَّه ذبحَها وأطعمَها الناسَ، فدلَّ ذلك على أنَّ الخيل كانت مأكولةً في شريعته، ولم يكن ذلك تعذيبًا للخيل، بل رياضةً للنَّفْس، وتقرُّبًا إلى اللَّه تعالى بأحبِّ الأموال إليه، وعلى هذا عَرْقَبَةُ السوق كانت لئلَّا (٣) تنفِرَ، ويُتمكَّن مِن ذبحها، وقَطْعُ الأعناق كانت ذبحًا وذكاة ومشروعة، وشكَرَ اللَّه سَعْيه ذلك، فأثنى عليه به، وأبدَله مكانها ريحًا غُدُوُّها شهر ورَواحُها شهر، فزاد في المعونة، ورفَعَ المؤونة.
وفيه قولان آخران سوى القَطْع والذَّبْح:
أحدُهما: أنه مسَحَ السُّوق؛ أي: كواها، وكوى على الأعناق أيضًا، وجعلَها في سبيل اللَّه للغُزاة، وأعلَمَها بالكيِّ، وليس المسح باسمٍ للقَطْع لا محالةَ، فإنه عبارة عن المسِّ، وذلك يقع بما دون القَطْع.
(١) في (أ): "فحرقه".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٨/ ٦٢٥).
(٣) في (ر): "ولهذا عرقبة السوق لئلا".