حتى حملَتْه الريح، وغدا ابنه في السَّحاب خوفًا مِن مَعَرَّة الشياطين، فابتلاه اللَّه تعالى لأجل هذا الخوف (١) بموت هذا الولد، فألُقِيَ ميتًا على كرسيه (٢).
* * *
(٣٥) - {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
وقولُه تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي}: أي: زلَّتي {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}: لم يسأل ذلك نفاسةً على غيره، وطلبًا للاستئثار بمِثْله، لكنْ أراد أنْ يكون مُلْكه على هذا الوجه آيةً لنبوته يَبينُ (٣) بها عن غيره مِن ملوك الأرض في عصره.
وقيل: أراد به أنْ يكون علامةً لقَبول توبته.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: يحتمل أنه أراد أنْ يستسلِمَ له الخَلْق في الإجابة إلى ما يدعو إليه مِن توحيد اللَّه تعالى وعبادته لَمَّا رأى أنَّ إجابة الناس وإقبالهم إلى مَن عنده السَّعةُ والغِنى أسرع، ورغبتَهم فيه أكبر، فإذا كان ما ذكرنا كان في سؤاله نجاةُ الخَلْق كلِّهم لِمَا يستسلمون له ويجيبونه إلى ما يدعوهم إليه.
ويحتمل أنه سأل ذلك ليبقى له الذِّكْر والثَّناء الحسَن في الخَلْق، وكذلك كان التماس المرسلين، قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} الشعراء: ٨٤ (٤).
وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ عِفْريتًا مِن الجن تفلَّتَ عليَّ البارحة ليقطع صلاتي، وإن اللَّه أمكنني منه، ولقد همَمْتُ أنْ أربِطَه إلى سارية من سواري المسجد حتى تُصبحوا فتنظروا إليه كلُّكم" (٥).
(١) "لأجل هذا الخوف" ليس من (أ).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٢٠٦)، وهذا أيضًا من خرافات الإسرائيليات.
(٣) في (ر): "يتبين".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٨/ ٦٢٨).
(٥) رواه البخاري (٤٦١)، (٣٤٢٣)، (٤٨٠٤)، ومسلم (٥٤١).