وقولُه تعالى: {تَمَتَّعْ}: صيغة أمر، ومعناه خبر، كما قيل: "إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ" (١)؛ أي: صنَعْتَ ما شئتَ.
وقيل: هو تهديد؛ كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} فصلت: ٤٠.
* * *
(٩) - {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وقولُه تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}: استفهام بمعنى النفي؛ أي: ليس مَن هو مصلِّي أوقاتِ ليلِه (٢) في أوله وأوسطه وآخره، مواظبٌ على الصلوات لربه، يقوم في صلاته إعظامًا، ويسجد تارةً تذلُّلًا، ويخاف الحساب في الآخرة لإيمانه بالبعث، ويرجو رحمة ربه، فيتردَّدُ بين الخوف والرجاء، كمَن ليس هكذا، بل هو مشرك يتَّخذ مِن دون اللَّه أندادًا، ويكفر نعمة ربه.
وحذَفَ ذِكْر الفريق الثاني اختصارًا؛ لوضوح المراد، فأشار إليه أيضًا فيما ذَكَر بعده:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}: وهو للنفي أيضًا، فكذا الأول، وقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر: ٢٨، فإذا لم يستَوِ العالم وغيرُ العالم لم يستَوِ الخاشي وغيرُ الخاشي.
(١) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (١٧٠٩٨) من حديث أبي مسعود البدري رضي اللَّه عنه، وهو من الأمثال التي سارت بها الركبان. انظر: "المثل السائر" (١/ ٦٤) لابن الأثير.
(٢) في (ف): "يصلي أوقات ليله" وفي (ر): "يصلي أو قانت ليله".