{أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}: أي: تُخَلِّص منها.
وقيل: جواب الأول محذوف: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} تَهديه.
وقيل: الإضمار في الكلام الثاني: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} منهم؛ أي: لا تجهَدْ في حق هؤلاء كلَّ هذا الجَهْد، فأنت غير قادر على ذلك، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، فهو استفهام في معنى النفي.
فأما تكرير الاستفهام في الآية فللتأكيد؛ كما في قوله: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} المؤمنون: ٨٢.
وقال الفراء: إنَّ هذا مما يُراد به الاستفهام الواحد، لكنْ سبق الاستفهامُ موضعَه، فأُعيد في موضعه الذي هو له، وإنما المعنى: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} وهو ممَّن حقَّتْ عليه كلمة العذاب، وكذلك قوله: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} الآية، ونظيره مِن غير الاستفهام: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} المؤمنون: ٣٥، فذكر "أنَّكم" مرتين، وإنما المعنى: أيَعِدُكم أنَّكم مُخرجون إذا مِتُّم، وكذلك قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} آل عمران: ١٨٨ (١).
* * *
(٢٠) - {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}.
وقولُه تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}: أي: في الجنة،
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٤١٨).