وكلُّ مَن تدبر بعقله علِمَ أنَّ المنفرد بالخدمة أحسنُ حالًا وأحمدُ عاقبةً مِن الذي يخدم جماعة.
وقولُه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}: أي: على إيضاح الحُجَّة.
وقيل: على التَّخْصيص بالتوحيد.
وقيل: على جعله سالمًا خالصًا للَّه تعالى.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}: أي: لا يستعملون عقولهم في النَّظر في الدلائل ليعلموا.
وقيل: أي: لا ينتفعون بعلومهم.
قال مُقاتل: إن المشركين دعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ملة آبائه وعبادة الأصنام، فضرب اللَّه لهم ولآلهتهم مثلًا، فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} الآية؛ أي: هل يستوي عبدٌ يَشترك فيه نفرٌ مُختلفون يملكونه جميعًا مع عبدٍ لا شِرْكة لأحد فيه؟! فخصَمَهم اللَّه بهذا، فقال: قل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} توحيدَ ربهم (١).
وقال الإمام القُشَيري: {رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ}: الذي يتجاذبه شُغُل الدنيا، وشُغُل الولد، وشُغُل العيال، وغير ذلك مِن الأشغال المختلفة والخواطر المُشتَّتة، والمؤمن خالصٌ للَّه ليس لأحد فيه نصيب (٢).
* * *
(٣٠ - ٣١) - {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.
وقولُه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}: نفى التَّسْوية بينه وبينهم، ووعد النُّصْرة
(١) ذكره عن مقاتل: الواحدي في "الوسيط" (٣/ ٥٨٠).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٣/ ٢٨٠).