{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}؛ أي: مع أنه قادر على قَبْض الأرض كلها بسعَتها وطُولها وعَرْضها وعِظَم جُرْمها، وعلى تبديلها، وعلى طَيِّ السماوات بأَسْرها، ومَن قَدِر على ذلك كلِّه قَدِر على إحياء الموتى، ولم يَجُزْ عليه غيرُ الحكمة والصواب.
وذِكْرُ القَبْضة (١) واليمين مِن المُتشابه.
ولَا يُفهَمُ مِن ذلك ما يُفهَم مِن أيدي الخَلْق وقَبْضتهم؛ لأنَّه تشبيه، وقد قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، بل يُفهَم منه التصرُّف فيها والقُدرة على تغييرها، وهو مُستعمل في كلام الناس على هذا المراد، يُقال: هذه الولاية في يد السلطان وفي قبضته، ويُراد به: الاستيلاءُ والقدرةُ، دون حقيقة إثبات اليد عليها وإدخالها في قبضتها.
وقيل: معنى قوله: {قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: أنه تَزول دعاوى المُدَّعين عنها، وهو كقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} غافر: ١٦.
وقيل: ذِكْرُ اليمين تحقيقُ المُلك؛ كقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} النساء: ٣.
وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وبه قال الكلبي مِن المفسرين، وقُطْرُب مِن أئمة الأدب: {بِيَمِينِهِ}: أي: بقُوَّته (٢). وأنشد الشَّمَّاخُ:
(١) في (أ) و (ف): "القبض".
(٢) كذا ذكره عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، ولم أقف عليه، والمشهور عن الصحابة والسلف عدم التأويل في أمثال هذه النصوص، وإن كان الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٣٢) قد ذكر عنه تأويل اليمين بمعنى القدرة والقوة في تفسير قوله تعالى: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} واللَّه أعلم بصحته.
والقول أنها بمعنى القدرة ذكره الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٢٥٣) عن بعض النحويين البصريين، وهو قول المبرد أيضًا كما في "الهداية" لمكي (١٠/ ٦٣٧٦).