{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}: قيل: هو خطابُ اللَّهِ لهم حينئذٍ.
وقيل: هو مِن كلام الجوارح في خطابهم؛ أي: وما كنتم تتَّقون شهادةَ الجوارحِ عليكم.
وقيل: ما كنتم تَسْتَخْفون مِن أنفسكم حذَرًا مِن أن تشهدَ عليكم الجوارح، أو لئلا تشهدَ عليكم الجوارحُ.
والاستخفاءُ مِن الأنفُس: هو تَرْكُ الذنوبِ أصلًا؛ كما يُقال: استَحْيِ مِن نفْسِك.
وقيل: معناه: ما كنتم لِتستتروا فتعملوا بغير مَشْهَد مِن جوارحكم؛ أي: هذا مما لا يُمكن، تستَّرْتُم عن الناس ولم (١) يمكنْكُمُ التستُّرُ عن الجوارح، فهي شهودٌ (٢) عليكم لا يُمكنُكم تكذيبَها.
{وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}: كانت طائفةٌ مِن الكفار بلَغَ جهلُهم أنْ ظنُّوا أنَّ اللَّه يعلم بعض الأمور ويخفَى عليه بعضُها.
قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: اجتمَعَ صَفْوانُ بن أمية وربيعةُ وعبدُ يَالِيلَ الثَّقَفيان في الحَطِيم، فقال أحدهم: أترى أنَّ اللَّه يسمَعُ ما نقول؟ فقال الآخر: إذا رُفِعَتِ الأصواتُ سَمِعَ، وإذا خَفَضْنا لم يسمعْ، فقال الثالث: لئن كان يسمع النَّجْوى لقد يسمع السِّرَّ، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (٣).
(١) في (أ): "إذ لم"، وفي (ر): "ولا".
(٢) في (أ): "فهي شهد شهود".
(٣) رواه البخاري (٤٨١٦)، ومسلم (٢٧٧٥)، وليس فيهما أسماء المتحاورين، وهي زيادة رواها الثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٢٩١)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ١٧٠).