وكما قال النَّضْرُ بن الحارث حين سمِعَ: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} المدثر: ٣٠: أنا أكفيكُمُ العشرةَ، فاكْفُوني التِّسعةَ (١).
وقولُه تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: بدأَ بالواحد وختَمَ بالجَمْع؛ لأنه قال: {لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}، وهي كلمةُ عُمومٍ، وقال: {شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا}، ولم يقل: اتَّخَذَه، لوجوه:
أحدُها: أنَّ ذلك الشيءَ آيةٌ.
والثاني: أنَّ الهُزْءَ بشيء منه هُزْءٌ بالجميع.
والثالثُ: أنَّه كان إذا وجَدَ شُبْهةً في شيء جعلَه وسيلةً إلى الهُزْء بكل الآيات، ويقول: إذا ثبَتَ لكم بُطْلانُ هذا ثبَتَ بُطْلانُ الكلِّ.
وقيل: نزلَتِ الآيةُ في النَّضْر بن الحارث، وكان يُعارِضُ آياتِ القرآن بأحاديثِ مُلوكِ الفُرْسِ (٢).
* * *
(١٠) - {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وقولُه تعالى: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّم}: أي: أمامِهم، والاسمُ للخَلْفِ والقُدَّام جميعًا؛ لأنه اسمٌ لِمَا وراءَكَ، وهو يَشْمَلُهما.
(١) ذكر مقاتل في "تفسيره" (٤/ ٤٩٧) أنها نزلت في أبي الأشدين أسيد بن كلدة الجمحي، وهو عند الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٧٤) أبو الأشدين كلدة بن خلف، وذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٥١٧) عن الوليد بن المغيرة.
(٢) ذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٢٧٦)، والسمعاني في "تفسيره" (٥/ ١٣٦)، وهو قول مقاتل، كما في "تفسيره" (٣/ ٨٣٦).