فانظر إلى هذه الدقيقة كيف لاحظها، ثم كيف حلَّها بأسلوبه الواضح البسيط.
- ومما يدلُّ على دقَّته وبُعدِ نظره أيضًا ما جاء عند قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} آل عمران: ٣٤ - ٣٥ فقال: وقيل: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ}؛ فهو {سَمِيعٌ} لمقالتها {عَلِيمٌ} بنيَّتها.
فالمؤلِّف عَلِم أن سائلًا سيسأل: اللَّهُ سميعٌ عليمٌ دومًا، فكيف قيَّدْتَ سمعَه وعلمَه بوقتِ قولها؟ فأجاب بما يعلِّل كلامه ويردُّ السؤال.
- وفي قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} فاطر: ١٠ ذكَر قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنافقون: ٨ ثم قال: ولا تُعارض هذه الآيةُ تلك الآيةَ؛ لأن عزَّ الرسول والمؤمنين بإعزازِ اللَّه، فله العزةُ جميعًا على الحقيقة.
- وانظرْ لهذه الدَّقيقةِ وحُسنِ حلِّها في قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} القلم: ١٩ - ٢٠ قال: وإنَّما قال: {فَأَصْبَحَتْ}، وقد طاف الطَّائف ليلًا؛ لأنَّ معناه: فنظروا إليها صباحًا، فصارَت لهم كجنَّةٍ قد صُرِمَتْ ثمارُها، وكأرضٍ قد حُصِدَ زرعُها.
- ومثل ذلك في قوله تعالى: {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} القلم: ٤٩ قال: أي: لأُلقيَ بالأرض العارية عن النَّبات والبناء {وَهُوَ مَذْمُومٌ} بزلَّته.
قال: وقد مرَّ في آية أخرى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} الصافات: ١٤٥؛ أي: ألقاه الحوت.
قال: ولا تختلف الآيتان لوجهين:
أحدهما: أنَّ الأوَّلى ليس بمطلَقِ النبذ، بل لنبذِه مذمومًا ولم يكن كذلك، وفي الثَّاني نبذَه بالعراء وقد كان محمودًا، وأرسلَه إلى مئة ألفٍ أو يزيدون.