والثَّاني: {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ}؛ أي: لبقيَ في بطن حوته إلى يوم القيامة، ثم أُلقي في عراءِ عرصةِ القيامة حين يُحشر النَّاس، ولكنْ منَّ اللَّه تعالى عليه فنبذَه بعراء الدُّنيا، وهو كقوله: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الصافات: ١٤٤.
- وفي قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد: ١٩ قال: قيل له: {فَاعْلَمْ}، ولم يقل: (عَلِمْتُ)، وإبراهيم قيل له: {أَسْلَمَ}، {قَالَ أَسْلَمْتُ} البقرة: ١٣١، وجوابُه مِن وجوه:
منها: أنَّ إبراهيم قال: {أَسْلَمْتُ}، فابتُلِيَ، ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل: (عَلِمْتُ)، فعُوفِيَ.
وقيل: إنَّ إبراهيم سبَقَ، فذُكِرَ جوابُه في الكتاب المُنَزَّل بعده، ولم يَنْزِلْ بعد القرآن كتابٌ آخرُ يُذكَرُ فيه جوابُ محمد.
وقيل: التَّسليمُ مُتَناهٍ، فيُمكِنُ الإخبارُ عنه، والعِلْمُ لا يتناهى، فلا يُمكنُ الإخبارُ عنه.
وقيل: إنَّ إبراهيم هو قال بنفْسِه: {أَسْلَمْتُ}، واللَّهُ تعالى أخبَرَ عن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {آمَنَ الرَّسُولُ} البقرة: ٢٨٥، وهو إخبارٌ عن عِلْمه وزيادةٌ، وإخبارُ اللَّهِ تعالى عنه أعلى مِن جوابه بنفْسِه.
- ومنه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} الفتح: ٢٧ قال: وهذا قسَمٌ، ورُؤْيا الأنبياءِ وحيٌ (١) لا خَطَأَ فيه، وخبَرٌ لا كَذِبَ فيه، والقسَمُ تأكيدٌ لا وَهْنَ فيه، ثم قال: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وهو في كلامِنا يُذْكَرُ فيما يكون ولا يكون، فما معناه مع ما سبق؟ وجوابُه من وجوه:
(١) في نسخة: "حق".