فقال الزِّبْرِقانُ بنُ بدرٍ لشابٍّ مِن شُبَّانِهم: قُمْ يا فلانٌ، فقل أبياتًا تذكُرُ فيها فَضْلَكَ وفَضْلَ قومِك، فقام الشابُّ فقال:
نحن الكرامُ فلاحَيٌّ يُعادِلُنا... فينا الرُّؤوسُ وفينا يُقْسَمُ الرُّبُعُ (١)
ونُطْعِمُ الناسَ عند القَحْطِ كلَّهُمُ... مِن السَّديفِ إذا لم يُؤْنَسِ القَزَعُ (٢)
إنَّا أَبَيْنا ولا يأبى (٣) لنا أحدٌ... إنا كذلك عند الفَخْرِ نَرْتَفِعُ
فأرسلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى حسان بن ثابتٍ، فانطلَقَ إليه الرسولُ، فقال: وما يريدُ مني وكنتُ عنده آنفًا؟ قال: جاءت بنو تميمٍ بشاعرهم وخطيبهم، وأمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابتًا فأجابه، وتكلَّمَ شاعرُهم، فأرسلَ إليكَ لِتُجِيبَه، وذكَرَ له قولَ شاعرِهم، قال: فجاء حسان، فأمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ يُجيبَه، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، فليُسْمِعْني ما قال، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَسْمِعْه ما قلتَ"، فأنشدَ ما قال، فقال حسان رضي اللَّه عنه:
إنَّ الذَّوائِبَ (٤) مِن فِهْرٍ وإخوتِهم... قد شرَّعوا سُنَّةً للناس تُتَّبَعُ
يَرضى بها كلُّ مَن كانت سريرتُه... تقوى الإلهِ وكلُّ الخيرِ يُصْطَنَعُ
ثم قال حسان:
(١) المِرْباع: شيء كانوا في الجاهلية يغزو بعضهم بعضًا، فإذا غنموا أخذ الرئيس ربع الغنيمة، فكان خالصا له دون أصحابه. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (٢/ ٢٢٣).
(٢) السَّدِيف: شحم السنام، والقَزَع: السحاب، وقوله: (لم يؤنس القزع) كناية عن القحط وانحسار المطر عن الهطول؛ أي: إننا نُطعِمُ الشحم عند المَحْل والقحط. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٣٥٥).
(٣) في (أ) و (ر): "إنا أتينا ولا يأتي".
(٤) ذُؤابةُ الرأس أعلاه، وذؤابة العز والشرف أرفعُه، وهو في ذؤابهَ قومه؛ أي: في أعلاهم، والجمع: ذوائب. انظر: "المحكم" لابن سيده (١٠/ ١٠٢).