ودليل الأوَّلين قولُه تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} كان الأمرُ بالسجود مقتصرًا على الملائكة، ثم استُثني منهم إبليسُ، والمستثنى مِن جنس المستثنى منه في الأصل، فلا يُصرَف عنه إلَّا بدليلٍ، ودليلُ دخوله في هذا الأمر قولُه: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الأعراف: ١٢.
فأمَّا قوله: {كَانَ مِنَ الْجِنّ}: قيل: أي: صار مِن الجنِّ، كما قال: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} البقرة: ٣٤؛ أي: صار.
وقال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما: الجنُّ قومٌ مِن الملائكة، أشدُّ الملائكةِ اجتهادًا (١).
وقال ابنُ إسحاق: الجنُّ اسم للملائكة أيضًا؛ لاجْتِنانهم؛ أي: استتارِهم عن أَعيُن الناس، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} الصافات: ١٥٨ وأراد به الملائكةَ، وقال أعشى بني ثعلبة في سليمانَ عليه السلام:
وسخَّر مِن جنِّ الملائكِ تسعةً... قيامًا لديه يَعملون بلا أجر (٢)
وقيل: الجنُّ: صنفٌ مِن الملائكة لا تراهم الملائكة، كما نحن لا نرى عامَّةَ الجنِّ والملائكة (٣).
وقال ابنُ مسعود رضي اللَّه عنه: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ}؛ أي: كان خازنَ الجنَّة (٤).
(١) انظر ما روي عن ابن عباس في هذا المعنى في "تفسير الطبري" (١/ ٥٣٥ - ٥٣٧).
(٢) البيت في "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: ٢١)، و"الأضداد" لابن الأنباري (ص: ٤٣٥)، و"النكت والعيون" (١/ ١٠٣)، والخبر بتمامه رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٥٣٨ - ٥٣٩).
(٣) في (أ) و (ف): "لا نرى عامة الملائكة".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٥٣٦ - ٥٣٧).