{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ}: لو عَمِلَ بقولكم، وبعَثَ إليهم مَن يُقاتِلُهم.
{لَعَنِتُّمْ}: أي: لَأَثِمْتُم، وقيل: أي: لَهَلَكْتُم.
وقال أبو سعيدٍ الخُدْريُّ: هذا نبيُّكم وخِيارُ أُمَّتِكم، لو يُطيعُهُم في كثيرٍ مِن الأمر لَعَنِتُوا، فكيف بكم اليومَ (١)؟!
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}: أي: حسَّنَه.
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}: فأنتم لذلك أطَعْتُم رسولَ اللَّه، ولم تُقاتِلوهم، ولم تَعْجَلوا في أمرِهم.
ورُوِيَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وجَّهَ (٢) إليهم خالدَ بنَ الوليد، وقال له: "أَخْفِ قُدومَكَ، وادخُلْها ليلًا، وتحسَّسْ، هل ترى أثَرَ الإسلامِ؟ " - ففعلَ، فسَمِعَ النِّداءَ، ورأى تهجُّدَهم بالليل، وأصبحَ معهم في جَماعتهم، ثم قال لهم: أرسَلَني رسولُ اللَّهِ في صَدَقاتِكم، فدفَعوها إليه (٣).
وهذا لا يُخالِفُ ما رَوَيْنا مِن مجيءِ وَفْدِهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ الجَمْعَ مُمْكِنٌ، وهو أنْ يكونوا بعَثوا وَفْدًا، وقَبْلَ وصولِهم بعثَ إليهم رسولُ اللَّهِ خالدَ بنَ الوليدِ.
ودلَّت الآيةُ على خَلْقِ أفعالِ العبادِ.
{أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}: فرجَعَ الكلامُ مِن المُخاطَبَة إلى المُغايَبَة لِيَعُمَّ المُخاطَبين وغيرَهم.
(١) رواه الترمذي (٣٢٦٩)، والمروزي في "السنة" (١)، وذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٣٢٥).
(٢) في (ف): "أرسل".
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٩٢٩)، والطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٥١) عن قتادة، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٧٧)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٣٩) من غير نسبة.