وقال السُّدِّي: تجالَدوا بالنِّعالِ والأيدي (١).
وقال الضحاك: بالأيدي والنِّعال والسُّعُف، فرجعَ إليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأصلحَ بينهم، ونزلت الآيةُ (٢).
وقال قتادة: ذُكِرَ لنا أنَّ الآيةَ نزلَتْ في رجلين كانت بينهما مُخاصَمَةٌ، فقال أحدُهما للآخر: لَآخُذَنَّ حَقِّي منكَ عَنْوَةً؛ لِكَثْرَةِ عَشيرتِه، وأبى الآخرُ ذلك، وحمَلَه على إتيان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيَحْكُمَ بينهما، فأبى صاحبُه، فاختصما، فنزلت الآيةُ (٣).
وقال الكلبي: نزلَتْ في حاطِبٍ وسُمَيرٍ، وكان سُمَيرٌ قتَلَ حاطِبًا، فجعلوا يقتتلون في الجاهلية إلى أنْ أتاهم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ (٤).
وعلى الأوَّلِ: إنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ كان مُنافقًا، والآيةُ في طائفتين مِن المؤمنين، لكنْ يرجِعُ ذلك إلى أصحاب عبد اللَّه بن أُبَيٍّ وعَشيرته، ولم يكونوا كلُّهم مُنافقين، فالآيةُ تتناولُ المؤمنين منهم.
وجُمْلةُ ذلك: أنَّ طائفتين مِن المؤمنين إذا تنازَعوا، وأدَّى بهم ذلك إلى التَّقاتُلِ، نظر الإمامُ أو نائبه في ذلك، وحمَلَهما على حُكْمِ الشَّرع، فإنْ عمِلا بذلك وتصالَحا، وإلا منَعَ الباغي منهما مِن ذلك بالكلام والعمل، وحَبَسَ إنْ احتاجَ إلى ذلك، فإنْ كانت الطائفتان مُمْتَنِعَتَين قاتلَ الطائفةَ الباغِيَةَ إلى أنْ ترجِعَ إلى حُكْم الشَّرع.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٦٠)، وذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٣٢٦)، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٧٩)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٤٠).
(٢) لم أقف عليه عن الضحاك.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٦٢٣). وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٧٨)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٤٠)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٤/ ١٤٧).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٧٩).