(٨ - ٩) - {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}.
{تَبْصِرَةً}: أي: تعريفًا لِمَن نظَرَ إليها وتدبَّرَ خَلْقَها أني أنا خالِقُها؛ إذ لا يتهَيَّأُ ذلك لأحدٍ مِن المخلوقين، ولا يُتَصَوَّرُ تكوُّنُها مِن غير تكوينِ مُكَوِّنٍ كوَّنَها لا يُشْبِهُها، قادرٍ عالمٍ واحد.
{وَذِكْرَى}: أي: تذكيرًا للعباد يتذكَّرون بها قُدْرتي ووحدانِيَّتي.
{لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}: أي: جعَلْتُ هذا التَّبْصيرَ والتَّذْكيرَ لكلِّ عبدٍ أقبلَ إليَّ بإرادتِه ونِيَّتِه، وعلَّقَ قلبَه بالتَّفَكُّر في أصناف خَليقَتي، فهو الذي أُوَفِّقُه لِلتَّذْكار والاستبصار.
وقولُه تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}: أي: مطرًا كثيرَ الخيرِ والبرَكةِ.
ثم ذكَرَ بعضَ تلك البركاتِ، فقال:
{فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ}: أي: بساتينَ مُشْتَمِلَةً على الأنهار (١) والثِّمار.
{وَحَبَّ الْحَصِيدِ}: أي: الزَّرْعِ، واحدٌ بمعنى الجَمْع؛ لأنَّه جنسٌ، وأضاف الحَبَّ إلى الحَصيدِ لأنَّ الحَصيدَ هو المحصودُ، وهو السُّنْبُلُ، وهو الجوابُ الصَّحيحُ عن هذا السؤال أنَّه: لماذا أُضِيفَ إليه؟
وقال (٢) الفرَّاء: الحَبُّ هو الحَصيدُ، فأُضِيفَ إلى نفْسِه؛ كقولكَ: (حَقُّ اليقينِ)، و (مسجدُ الجامعِ)، و (صلاةُ الأولى) (٣).
(١) في (ر) و (ف): "الأزهار".
(٢) في (ر) و (ف): "وقد قال".
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٣/ ٧٦). وتعقب هذا القول الآلوسي ذاكرًا نحو كلام المؤلف السابق له، فقال: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ}؛ أي: حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد من البر والشعير وأمثالهما، =