النَّسا)، ومعنى هذا الكلامِ: ونحن أقرَبُ إلى ضميرِه مِن هذا العِرْقِ إلى بدَنِه، ولا يُرادُ به قُرْبُ المكانِ جلَّ اللَّهُ تعالى عن ذلك، بل يُرادُ به أنه عالِمٌ به، لا يخفى عليه منه شيءٌ.
* * *
(١٧ - ١٨) - {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
قولُه تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ}: قيل: أي: اذْكُرْ إذ يتلَقَّى.
وقيل: أي: نَعْلَمُ منه ما يكونُ منه إذ يتلَقَّى الملَكانِ المُوَكَّلانِ به عمَلَه (١)، فيكتبان ذلك عليه؛ كمَن يُمْلِي على آخرَ شيئًا، فيَتَلَقَّاه المُمْلَى عليه فيكتُبُه.
والتَّلَقِّي: هو الأَخْذُ والقَبولُ، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} البقرة: ٣٧.
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}: أي: أحدُ الملَكين قَعيدٌ له عن يمينه، والآخَرُ عن شماله، كأنَّهما جَليسان قاعدان في مَجْلِسٍ واحدٍ، والإفرادُ لهذا التَّقْدير.
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ}: أي: ما يَتكَلَّمُ، وأصلُه: الرَّمْيُ.
{إِلَّا لَدَيْهِ}: أي: عنده، ويجوز أنْ يكون كِنايةً عن الإنسان، ويجوز أنْ يكونَ كِنايةً عما يَلْفِظُ.
{رَقِيبٌ}: أي: حافِظٌ، وهو الملَكُ الكاتِبُ {عَتِيدٌ}؛ أي: مُعَدٌّ.
وقال الزَّجَّاجُ: أي: ثابتٌ لازمٌ (٢).
وهذه الآيةُ في كتابة الأقوال، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} الانفطار: ١٠ - ١٢، وهذا في كتابة الأفعال.
(١) في (ر): "بعمله".
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٥/ ٤٥).