{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}: أي: لِتَقْصِيرهم في قيام اللَّيل مع جُهْدِهم في إحسانهم.
{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}: وهو صِفَةُ المُتَّقين أيضًا، ومنهم مَن حَمَلَ هذا الحقَّ على الزكاة.
وقيل: السُّورةُ مَكِّيَّةٌ، والزكاةُ فُرِضَتْ بالمدينة، فهي على الصَّدَقةِ النَّفْلِ، ويدلُّ عليه أوَّلُ الآيةِ، فإنها في مدح المتقين بإحياء الليل بنوافل العبادات، وكان هذا مدحًا لهم بإمضاءِ (١) النهار بنوافل الصَّدَقات، ومعنى (٢): {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ}: أي: جعَلوا على أنفسهم ذلك حقًا لازمًا يَقْسِمونه (٣) لا محالةَ للسائل والمحروم.
وقال الشَّعْبيُّ: لقد سألتُ عن المحروم منذ سبعين سنةً، فما أنا اليومَ بأعلمَ به مني مِن يومئذٍ (٤).
وعن الحسن بنِ محمد بنِ عليٍّ: أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعَثَ سَرِيَّةً، فغَنِموا، فجاء قومٌ لم يَشْهَدوا الغَنيمةَ، فنزلت: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (٥).
وقيل: هو الذي ذهَبَ مالُه بسَيْلٍ أو جائحةٍ، فلم يبقَ له شيءٌ؛ كما قال اللَّه تعالى في قصة أصحاب الجنة: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}، وقال في الواقعة: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} إلى قوله: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}.
(١) في (ر) و (ف): "بإحياء".
(٢) في (ف): "وقال".
(٣) في (ر) و (ف): "يقيمونه".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١١٢)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٣٦٨).
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٣٢٢٨)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (٣/ ٢٣٨)، والطبري في "تفسيره" (٢١/ ٥١٥).
وذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٤٩٦)، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١١٢)، والماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ٣٦٦).