{اصْلَوْهَا}: أي: ادْخُلوها وقاسُوا حَرَّها، هذا إلى آخِرِ الآيةِ مُقَدَّمٌ في المعنى، وهذا المُعْتَرِضُ (١) مُؤَخَّرٌ، وهو قولُه تعالى:
* * *
(١٥ - ١٦) - {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا}: يُقالُ لهم: أَفَتَخْيِيلٌ هذا العذاب الذي ترونه؟!
{أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}: ليسَتْ لكم أَعْيُنٌ تُبْصِرون بها هذا؟!
وهذا تقريعٌ لهم، فقد كانوا يقولون في الدنيا في الآيات: إنَّها سِحْرٌ وتَخْيِيلٌ، ولا يُتَيَقَّنُ بصِحَّتِها، فيُقالُ لهم عند رُؤية العذابِ: أَفَتَتَوَهَّمون هذا تَخْيِيلًا أم ليست لكم عُيونٌ باصِرَةٌ ترونه بها -والخَفاءُ يكون بهذين الطَّريقين- أم تتيقَّنون أنه عذابٌ؟!
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}: أي: صَبْرُكم وجَزَعُكم سواءٌ، فلا يُخَفَّفُ عنكم، ولا تُرْحَمون فتُخرَجوا منها، وكانوا يقولون في الدنيا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} الشعراء: ١٣٦، فيُقالُ لهم في النار: سواءٌ عليكم أَصَبَرْتُم أم جَزِعْتُم، فلا فرَجَ لكم مِن العذاب المُهين، وهم يقولون أيضًا لأنفسهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}.
{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: أنتم جَلَبْتُم إلى أنفسكم هذا.
* * *
(١٧ - ١٩) - {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
(١) في (أ): "الغرض"، وفي (ر): "معترض".