فيجوز أن يكون أراد المكانَ الذي هما فيه للأكل، ويجوز أن يكون أراد عينَ الثمر، فإنَّه مكانُ الأكل ومحلُّه، فكان تعميمُ المشيئة في ذلك.
والآية ردٌّ على المتقشِّفة الذين يُحرِّمون تناولَ الأطعمة الشهيَّة، ولُبسَ الثياب السَّنيَّة، واللَّه جلَّ جلاله يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الآية الأعراف: ٣٢.
ثم معنى الأمرِ بهذا والشُّغلِ به -مع أنَّه اختصَّه واصطفاه وللخلافة أبداه- أنَّه مخلوقٌ، والذي يَليق بالمخلوق (١) هو السُّكون بالخلق والقيامُ باستجلاب الحظِّ.
وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}: القِربان -بكسر القاف-: إتيانُ الشيءِ، والقربُ منه: الدنو منه (٢)، يقال مِن الأول: قَرِبْتُه أَقْرَبُه قِربانًا مِن حدِّ: عَلِمَ، وهو متعدٍّ بغير صلةٍ، ويقال: قَرُبتُ منه أَقرُبُ قُرْبًا، مِن حدِّ: شَرُفَ، وهو لازمٌ ويَتعدَّى (٣) بـ (مِن).
وتفسيره: لا تأكُلا مِن هذه الشجرة، فالنهيُ كان عن الأكل دون الدُّنوِّ مِن الشجرة، وإنَّما أضاف النهيَ إلى القِربان؛ لأنَّه سببُ الأكل (٤)، ويُسمَّى الشيءُ باسمِ سببِه مجازًا، ودليل أنَّ النهيَ كان عنه: أنَّ زلَّتهما كانت به (٥)، قال اللَّهُ تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا} طه: ١٢١ وقال تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ} الأعراف: ٢٢.
{الشَّجَرَةَ} واحدة: الأشجار، والشجر يكون جمعًا وواحدًا، والأرضُ
(١) في (أ) و (ف): "بالخلق".
(٢) "الدنو منه": سقط من (ف).
(٣) في (أ): "ويعدَّى".
(٤) في (ف): "للأكل".
(٥) في (أ): "بالأكل".