هُم في فتنةٍ وإمهالٍ، يقول: خلَقَ البَحْرَينِ المِلْحَ والعَذْبَ، وذلك في البحرِ الواحدِ، بعضُه عَذْبٌ وبعضُه مِلْحٌ، فهُما {يَلْتَقِيَانِ}؛ أي: يجتمعان وهما مائعان سائلان، ثم جعَلَ بينهما حاجِزًا؛ قيل: هو الجزائِرُ، وقيل: هو قُدْرَةُ اللَّهِ تعالى، {لَا يَبْغِيَانِ}: لا يغلِبُ أحدُهما على الآخر فيُغَيِّرَه إلى صفةِ نفْسِه، وفيه تنبيهٌ على كمال قُدْرَةِ اللَّه تعالى أنَّه لا يُعْجِزُه ما أرادَ مِن إحياء الموتى وغيرِه.
وقيل في البَرْزَخِ: هو مُدَّةُ ما بين الدنيا والآخرة، فهذه المُدَّةُ تَمْنَعُ الاختلاطَ، فإذا انقَضَتِ الدُّنيا بغى البحران فصارا شيئًا واحدًا، وهو معنى قولِه: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} الانفطار: ٣، وهذا معنى قولِ عَطاءٍ الخُراسَانِيِّ.
* * *
(٢١ - ٢٢) - {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: فَسَّرْناه.
ثم ذكَرَ المِنَّةَ الثَّانيةَ، فقال:
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا}: قرأ نافع وأبو عمرو: {يُخْرَجُ} بضم الياء وفتح الراء على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه، والباقون على الفعل الظاهر (١).
{اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}: قال ابنُ عبَّاسٍ والحسنُ والضَّحَّاكُ وقتادةُ: {اللُّؤْلُؤُ}: كِبارُ الدُّرِّ، {وَالْمَرْجَانُ}: صغارُه (٢).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٦).
(٢) رواه الطبريُّ في "تفسيره" (٢٢/ ٢٠٥ - ٢٠٦) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وقتادة والضحاك. ورواه عن قتادة أيضًا عبدُ الرزاق في "تفسيره" (٣٠٨٤).
وذكره عن الحسن الماتريديُّ في "تأويلات أهل السنة" (٩/ ٤٧٠)، والواحدي في "البسيط" (٢١/ ١٥٦)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٧/ ٦٩٧) إلى الطبري وعبد بن حميد، ولم أجده =