وقيل: المَرْجانُ: نوعٌ مِن الجواهر كالقُضْبان.
يقول: يُخْرِجُ اللَّهُ لكم مِن الماء لؤلؤًا ومَرْجانًا؛ كما أخرَجَ مِن التُّراب حَبًّا ونباتًا، وأخرَجَ مِن الصَّلْصَالِ إنسانًا، وخُصوصًا فإنَّ الماءَ الِملْحَ يُفسدُ ما صار فيه، ثم هو منه يَخْرجُ اللولؤُ والمَرْجان، وهذا مِمَّا لا تُدْرِكُه قُوى البشر، ولا تهتدي لكيفيَّةِ كونِه العقولُ، وإنما هو بقُدْرَةِ الواحدِ القادرِ الذي لا يُعْجِزُه شيءٌ، فكيف يُعْجِزُه بَعْثُ الموتى؟ لولا جَهْلُ المشركين وكفرُهم آلاءَ اللَّهِ بترك التدبُّرِ فيها.
ثم قولُه: {مِنْهُمَا} مع أنَّ خُروجَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجان يكونُ مِن المِلْحِ دون العَذْبِ؛ لأنَّ العَذْبَ والمِلْحَ يلتقيان، فيكون العَذْبُ كاللِّقَاحِ للمالح؛ كما يُقال: يَخْرُجُ الولدُ مِن الذَّكَر والأنثى -وإنما تَلِدُ الأنثى- لهذا.
وقيل: مِن عادة العرب أنَّها تجمَعُ شيئين لأحدهما فِعْلٌ، فتجعَلُ الفعلَ لهما، وهو كقوله: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} الكهف: ٦١، وكان النَّاسي صاحِبَ موسى وحدَه، وقولِه تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} الأنعام: ١٣٠، والرُّسُلُ مِن الإنس دون الجنِّ.
* * *
(٢٣ - ٢٤) - {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: فَسَّرْناه.
ثم ذكَرَ النِّعْمَةَ الثالثةَ، فقال:
{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ}: قرأ حمزةُ وعاصمٌ في رواية أبي بكرٍ بكسر الشين،
= في "تفسير الطبري".