وقيل: هذا خطابٌ مِن اللَّه تعالى في الدنيا لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: هذه جهنَّمُ التي يُكَذِّبُ بها قومُكَ مِن قُرَيْشٍ.
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}: أي: بين النَّارِ التي ذابَتِ السَّماواتُ مِن حَرِّها، وبين ماءٍ حارٍّ قد انتهى حَرُّه، فهو في غايَةِ الحَرارَةِ.
وقيل: تكون النَّارُ طعامَهم، والحميمُ شرابَهم، {يَطُوفُونَ} في معنى: يَتَرَدَّدُون؛ أي: يَسْتَغِيثُون إذا جاعوا يَسْأَلون الطَّعامَ، فإذا طَعِموا النَّارَ استغاثوا فاسْتَسْقَوا فيُسْقَوْنَ الحميمَ.
والـ {آنٍ}: صَرْفُه: (أَنَى يَأْنِي)؛ أي: حانَ يَحِينُ، وبَلَغَ أنَاه؛ أي: أَدْرَكَ وانتهى مُنْتَهاه، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآية الحديد: ١٦، وقال: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} الأحزاب: ٥٣.
* * *
(٤٥) - {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: وفي الآية التَّمْيِيزُ بين الكافر والمؤمن، والإخبارُ عن ذلك اليومِ لِيَنْتَبِهوا (١).
وقال كعبُ الأحبارِ: {آنٍ} وادٍ مِن أودِيَةِ جهنَّمَ يُجْمَعُ فيه صَديدُ أهلِ جهنَّمَ، ثم يُنْطَلَقُ بهم وهُم في الأَغْلال، فيُغْمَسون في ذلك الوادي حتى تَنْخَلِعَ أَوْصالُهم، ثم يُخْرَجون منها وقد أَحْدَثَ اللَّهُ تعالى لهم خَلْقًا جديدًا فيُلْقَون في النار، فذلك قولُه تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (٢).
(١) في (ف): "لينتهوا".
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٨٨).