وقال مُقاتِلٌ: يَطُوفون بين حَمِيمٍ شَوْطًا، وبين جهنَّمَ شَوْطًا، لا يَسْتَرِيحون، يُطافُ بهم في ألوان العذاب، وذلك قوُله: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}: يعني: مِن الزَّقُّومِ والحَمِيم، فيُنْطَلَقُ بهم مَرَّةً إلى الجَحِيمِ، ومَرَّةً إلى الحَمِيمِ، ثمَّ إلى منازلِهم مِن جهنَّمَ، وكذلك في هذه الآية (١).
وقال السُّدِّيُّ في قولِه: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}: يُجْمَعُ بين ناصِيَةِ الكافرِ وقَدَمَيْهِ مِن وراء ظَهْرِه، فيُشَدُّ وَثاقُه (٢).
وقال الضَّحَّاكُ: يُجْمَعُ بين ناصِيَةِ الكافر (٣) وقَدَمَيْهِ في النَّارِ، فيُكْسَرُ صُلْبُه حتى تَلْحَقَ ناصِيَتُه بعَقِبَيْهِ (٤)، هذا جزاءُ المجرمين.
* * *
(٤٦) - {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}.
ثم ذكَرَ جزاءَ الذين يُخالِفونهم، وهُمُ الخائِفون مِن المؤمنين، فقال:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}: أي: ولِمَنْ ترَكَ المعاصِيَ خوفًا مِن مَقامِه بين يدي اللَّه تعالى للعَرْضِ والحسابِ والسُّؤالِ.
وأُضِيفَ المقامُ إلى اللَّه تعالى، وإنما هو مَقامُ العَبْدِ بين يدي اللَّه تعالى، كما أُضيفَ الأجلُ إلى اللَّه تعالى في قولِه: {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} العنكبوت: ٥، وهو أجَلُ العبدِ، حتى قال: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} الأعراف: ٣٤؛ لأنَّ التَّأْجيلَ مِن اللَّهِ للعبد، وكذلك
(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٤/ ٢٠١).
(٢) ذكره عنه ابن كثير في "تفسيره" (٧/ ٤٩٩) بمعناه.
(٣) في (أ): "ناصيته".
(٤) رواه عنه مختصرًا هناد في "الزهد" (٢٦٨) بلفظ: يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره. وذكره الزمخشري في "الكشاف" (٤/ ٤٥١).