المَقامُ للعبد، لكنْ لِمُحاسبةِ اللَّه تعالى، وهو كقولِه تعالى: {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ} النصر: ٢، وقولِه تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} المائدة: ٣؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى شرَعَه للعبد، وقولِه: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} الإسراء: ٧٧، وقولِه: {وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} الإسراء: ٧٧؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى سَنَّهُ لهم، وعلى هذا قولُه: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} النور: ٣٣، وقولُه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} التوبة: ١٠٣.
وقال الأعمش: يعني: ولمَن عَلِمَ أنَّ اللَّهَ تعالى قائِمٌ على كلِّ نَفْسٍ بما كسَبَتْ، فأطاعَ اللَّهَ تعالى ولم يَعْصِهِ (١).
{جَنَّتَانِ}: أي: بُسْتانان.
قيل: إحداهُما داخِلَ قَصْرِه، والأخرى خارجَ قَصْرِه، وهذا لكلِّ خائفٍ، وطُبعَ الإنسانُ على اشتهاءِ مِثْلِه.
وقيل: هما جنَّةُ النَّعيمِ وجنَّةُ عَدْنٍ لجميع أهل الجنَّةِ.
قولُه تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}: جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، وجَنَّةُ المأوى، فهي بجُمْلَتِها أربعُ جِنانٍ لكلِّ أَهْلِها، وفي كُلِّ جَنَّةٍ مِن الجِنان ما لا يُحْصى (٢)، وهي كأَرْبَعِ بلادٍ كِبارٍ فيها مَحَالُّ، وفي المَحَالِّ مَنازِلُ.
وقالوا: بأنَّ أهلَ عَصْرِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا على قِسْمَينِ، وكذا أهلُ الدُّنيا في كلِّ عَصْرٍ:
أهلُ الأَمْصَارِ: وهُمُ اعتادوا الجِنانَ المُلْتَفَّةَ، والمياهَ الجارِيَةَ، والمَنازِلَ المُتَلازِقَةَ، والسُّرُرَ الموضوعةَ.
(١) لم أقف عليه.
(٢) في (ف): "يخفى".