قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}: قال ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ وأبو صالحٍ والسُّدِّيُّ: أي: فُتِّتَتْ فتًّا، وصارَتْ كالدَّقيقِ المَبْسُوسِ -أي: المبلول- والسَّوِيق كذلك (١).
{فَكَانَتْ هَبَاءً}: أي: غبارًا يدخل في الكوَّة مِن شُعاع الشَّمس، {مُنْبَثًّا}؛ أي: متفرِّقًا، وذلك ممَّا لا يمكنُ أنْ يُحَسَّ أو يُمَسَّ باليد.
وقال الخليلُ: هو غبار ساطع في الهواءِ كأنَّه دخانٌ (٢).
وقال القتبيُّ: الهباءُ المنبثُّ: ما يسطعُ مِن سنابكِ الخيل (٣).
ثَمَّ مِن آثارِ القيامةِ في الجبالِ: النَّسْفُ أوَّلًا، ثمَّ الدَّكُّ، ثمَّ تصير كثيبًا مهيلًا، ثمَّ هباءً منبثًّا، ثمَّ كالعِهْنِ المنفوشِ (٤)، ثمَّ تمرُّ مَرَّ السَّحاب.
فإذا أثَّرَ في الجبالِ الصُّمِّ الشَّواهِقِ هذا، وليس لها خطابٌ وعتابٌ (٥)، فكيفَ حالُ الضُّعفاءِ الذين لهم الخطابُ، ولهم الثَّواب والعقاب؟
وقرأ إبراهيمُ النَّخعي رحمَه اللَّه: (منبتًّا) بتاءٍ معجمة فوقها بنقطتين (٦)، ومعناه: منقطعًا.
* * *
(١) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤).
(٢) انظر: "العين" للخليل (٤/ ٨٩ و ٩٧).
(٣) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: ٤٤٥)، والسنابك: جمع سنبك، وهو طرف مقدم الحافر. انظر: "الصحاح" (مادة: سبك).
(٤) في (ر): "كالفراش المبثوث".
(٥) في (ر): "ولا عقاب".
(٦) وهي قراءة شاذة، ذكرها الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٠١)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٣٩).