فلم يُمْسِ حتى نُزعَ عنه لباسُه، وسُلب استئناسُه، وتبدَّل مكانُه، وتشوَّش زمانُه، قال الشاعر (١):
فأَمِنتُه فأتاح لي مِن مَأْمَني... مَكْرًا كذا مَن يأمن الأحبابا (٢)
وقوله تعالى: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}: أي: سبَّب الشيطانُ (٣) خروجَهما؛ وهو الوسوسةُ التي بها زلَّا، فأُمرا بالخروج، وهو كقوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} إبراهيم: ٣٦ وقولهِ تعالى: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} المؤمنون: ١١٠ وقولهِ تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا} التوبة: ١٢٥.
وقوله تعالى: {مِمَّا كَانَا} قال محمد بنُ قيسٍ: أي: مِن اللباس الذي كانا فيه حتى بَدَت لهما سوآتُهما.
وقيل -وهو قول الأكثر-: أي: مِن الجنَّة، وإنَّما قال: {فِيهِ}، ولم يقل: فيها؛ صرفًا إلى قوله: (ما).
وقيل: أي: مِن الحال الذي كانا فيه، يعني: مِن النِّعمة والراحة إلى البلاء والشِّدَّة.
وقيل: أي: مِن الطاعة إلى الذلَّة (٤).
وقوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا}: الهُبوطُ: الانحدارُ، والهَبوط -بالفتح-: الحُدور، وهَبَطَ لازمٌ ومتعدٍّ، ودلَّت الكلمةُ أنَّهما كانا في جنَّة الخُلد حيث أُمرا بالانحدار؛
(١) في (أ): "كما قيل" بدل: "قال الشاعر".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٨١).
(٣) بعدها في (أ): "سبب".
(٤) في (ر): "الزلة"، والمثبت من (ف)، وجملة: "وقيل: أي: من الطاعة إلى الزلة": ليست في (أ).