وهاهنا اختصارٌ، وتقديرُه: ومَنْ أنفقَ وقاتلَ بعدَ الفتحِ، وهذا كما في قوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} الزمر: ١٩، وإنَّما صحَّ ذلك لوضوح المراد، يقولُ: لا يستوي في الفضْلِ مَن أنفقَ في سبيلِ اللَّهِ وجاهدَ أعداءَ اللَّهِ قبلَ فتحِ مكَّة ومَن فعلَ ذلكَ بعدُ.
{أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ}: أي: مِن بعدِ الفتح (١) {وَقَاتَلُوا} لعزَّة الإسلام وأهلِه، وشدَّة الحاجة إلى مَن ينصرُه؛ أي: فبادِروا إلى تحصيلِ هذه الفضيلةِ.
قال الكلبيُّ رحمه اللَّه: نزلَتْ في أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً}؛ يعني: أبا بكرٍ وأصحابَه {مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} (٢).
{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}: أي: فكلَّ واحدٍ مِن هذين الفريقَيْن له وعدُ الجنَّة؛ لأَنَّهم جميعًا مطيعون للَّه، عاملون بأمرِه، لكنَّ الدَّرجات في الجنَّة متفاوتة.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}: أي: بأعمالِكم ومقاديرِها؛ أي: ويجازي كُلًّا على وفقِ عملِه.
* * *
(١١) - {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}: أي: مَن ذا الَّذي ينفقُ في سبيلِ اللَّه إنفاقًا حسنًا، مضمونًا بدلُه على اللَّه بالأضعافِ الكثيرة بوعدِه الصَّادقِ والكائنِ لا محالةَ، وهو قوله:
{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}: قرأ ابن كثير: {فيضعِّفُه له} بالتَّشديد لِلْعين ورفع الفاء، ومثله
(١) في (ر): "فتح مكة".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٣٢).