وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: إنَّ اللَّه تعالى استبطأَ قلوبَ المؤمنين، فعاتبَهم على رأسِ ثلاثَ عشرةَ سنةً مِن نزولِ القرآن، فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا. . .} الآية (١).
وقال ابن مسعود: ما كان بينَ إسلامِنا وبينَ أنْ عوتِبْنا بهذه الآيةِ إلَّا أربعُ سنينٍ، فجعل المؤمنون يعاتب بعضُهم بعضًا (٢).
وقال الحسنُ: أَمَا واللَّهِ لقد استبطأهم وإنَّهم خيُر أهلِ الأرضِ وأحبُّهم إليه، وقد استبطأهم وهم يقرؤون من القرآن أقلَّ مما تقرؤون، فانظروا في طول ما قرأتم منه، وما ظهرَ فيكم من القسوة (٣)، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} لِمَا أُعْطوا مِن النِّعَم وأُلْبِسوا مِن العافية.
وروي أنَّه كان في جماعةٍ منهم مزاحٌ، فعُوتبوا عليه، فبكَوا، وأَعْتَبوا ربّهم (٤).
وقال محمَّدُ بنُ كعبٍ: كانوا بمكَّة مجدِّيْنَ، فلمَّا هاجروا أصابوا النِّعمة، ففتروا عمَّا كانوا فيه، فقسَتْ قلوبُهم، فينبغي للمؤمنين أن يزدادوا يقينًا وإخلاصًا وخشوعًا في صحبة الكتاب (٥).
وقال ابن كيسان: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} هذا لبعض المؤمنين، فقد وصف اللَّه تعالى قومًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} المؤمنون: ٥٧، وقال: {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} هود: ٢٣، وكان فيهم مقصِّرون، فاستعتبهم اللَّه بهذه الآية.
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٣٨).
(٢) رواه مسلم (٣٠٢٧).
(٣) ذكره الزمخشري في "الكشاف" (٤/ ٤٧٧).
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٣٨) عن مقاتل بن حيان، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٥٧١٥) عن عبد العزيز بن أبي رواد. وقوله: "وأعتبوا ربهم"؛ أي: أعطوه العتبى، تقولُ: اسْتَعْتَبه فأَعتَبَه؛ أي: استرضاه فأرضاه.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٤١)، والواحدي في "البسيط" (٢١/ ٢٩٢).