ورُوِيَ أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه قُرِئ بينَ يديهِ هذه الآية وعندَه قومٌ مِن اليمنِ، فبكوا بكاءً شديدًا، فنظرَ إليهم أبو بكر فقال: هكذا كنَّا حتَّى قسَتِ القلوبُ (١).
وكان فضيلُ بنُ عياض مِن أبناءِ الدُّنيا وأهلِ الدَّعارة كما قيل، فمرَّ ذات يومٍ برجلٍ فقرأ هذه الآية، فقال: بلى آن، وجاوز الحدَّ، وكان ذلك سببَ توبتِهِ (٢).
* * *
(١٧ - ١٨) - {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: قال ابن عبَّاس: يعني: يُلِيْنُ القلوبَ بعدَ قساوتها (٣). وهو وجهُ النَّظم.
وقيل: هو يُحيي الأرضَ بعد موتِها، فيُحيي الخلقَ بعدَ موتِهم، فيجزي كلًّا بعملِه، ولا يسوِّي بينَ الخاشعِ والقاسي.
وقيل: هو تعريفُ الكفَّارِ إحياءَ الخلْقِ بعدَ الموت.
وقيل: هو حثُّ أهلِ الكتاب على تدبُّر القرآنِ لتحيا قلوبُهم.
{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: أي: ليتدبَّروا فيعرفوا.
(١) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص: ١٣٥)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٥٥٢٤)، والثعلبي في "تفسيره" (٤/ ١٠٠)، لكن دون تعيين الآيات التي قرئت عليهم.
(٢) رواه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٤٢)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٦٩٣٥)، والقشيري في "الرسالة" (ص: ٢٥). وانظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (٤/ ٤٧)، و"تهذيب الكمال" للمزي (٢٣/ ٢٨١ - ٢٨٦)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (٨/ ٤٢٣).
(٣) رواه ابن المبارك عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، كما في "الدر المنثور" (٨/ ٥٧)، وهو في "الزهد" لابن المبارك (٢٦١)، لكن عن صالح المري.