لا يعود إليه في مستأنَف الزمان، وفي مظالم العباد بهذه الأشياء، وبإرضاءِ الخصم بإيصالِ حقِّه إليه باليد والاعتذارِ منه باللسان.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ}: أي: الكثيرُ القَبول للتوبة، وهذا وعدٌ مِن اللَّه (١) أنَّ العبدَ إذا أَذنب ذنبًا وتاب، ثم وقع في الذَّنب ثم تاب، وتكرَّر ذلك منه، قَبِل اللَّهُ منه كلَّ ذلك، إذا كانت التوبةُ في كلِّ مرةٍ صحيحةً.
وقوله تعالى: {الرَّحِيمُ} مرَّ تفسيرُه في البسملة (٢)، ومعناه هاهنا: أنَّه (٣) اسمٌ يَرحم التائبَ فيغفر حَوبته (٤) ويَقبل توبته.
وقيل: الكلماتُ ثلاثةُ أشياءَ: الحَياء، والبُكاء، والدُّعاء.
قال شهر بنُ حوشب: مكث آدمُ صلوات اللَّهِ عليه ثلاثَ مئةِ سنةٍ لا يَرفع رأسَه حياءً.
وقال ابنُ عباسٍ رضي اللَّه عنهما: بكى آدمُ وحوَّاء صلوات اللَّه عليهما مئتي (٥) سنةٍ، ولم يَأكلا ولم يَشربا أربعين يومًا، ولم يَقرب آدمُ حوَّاءَ مئةَ سنة (٦).
فإن قالوا: لِمَ قال: {فَتَابَ عَلَيْهِ}، ولم يقل: عليهما، وقد سبق ذِكْر آدمَ وحوَّاء؟
قلنا: لأنَّه ذكر التلقِّيَ مِن آدم وحده، فذكر قبولَ التوبة كذلك، ولأنَّ مبنَى حالِ النساء على سترهنَّ والسكوتِ عن ذكرهن، ولأنَّ تفريغَ القلب في الدنيا للأنبياء
(١) في (أ) و (ف): "وعد منه".
(٢) في (أ) و (ف): "التسمية"، وفي هامش (ف): "البسملة".
(٣) "أنه": من (أ).
(٤) في (أ): "ذنوبه".
(٥) في (ر) و (ف): "مئة"، والمثبت (أ) والمصدر.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" (١/ ١٨٥).